فصل: وصية عظيمة نافعة لمن عمل بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.وصية عظيمة نافعة لمن عمل بها:

وصية الإمام الغزالي لبعض إخوانه، فقال: وإني أوصي هذا الأخ أن يصرف إلى الآخرة همته وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ويراقب سريرته وعلانيته وقصده، وهمته، وأفعاله، وأقواله، وإصداره، وإيراده، أهي مقصورة على ما يقربه إلى الله تعالى ويوصله إلى سعادة الأبد، أو منصرفة إلى ما يعمر دنياه ويصلحها له إصلاحًا منغصًا، مشوبًا بالكدورات، مشحونًا بالغموم والهموم، ثم يختمها بالشقاوة والعياذ بالله؟
فليفتح عين بصيرته ولتنظر نفس ما قدمت لغد، وليعلم أنه لا ناظر لنفسه ولا مشفق سواه.
وليتدبر ما كان بصدده؛ فإن كان مشغولاً بعمارة ضيعة فلينظر: كم من قرية أهلكها الله تعالى وهى ظالمة، فهي خاوية على عروشها بعد إعمالها؟
وإن كان مقبلاً على استخراج ماء، وعمارة نهر؛ فلينظر: كم من بئر معطلة وقصر مشيد بعد عمارتها؟
وإن كان مهتمًا بتأسيس بناء؛ فليتأمل: كم من قصور مشيدة البنيان محكمة القواعد والأركان، أظلمت بعد سكانها؟
وإن كان مهتمًا بعمارة الحدائق والبساتين فليعتبر: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [44 سورة الدخان، الآيات: 25- 27]، وليقرأ: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [26 سورة الشعراء، الآيات: 205- 207].
وإن كان مشغوفًا- والعياذ بالله- بخدمة سلطان، فليتذكر ما ورد في الخبر أنه ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأعوانهم؟ فلا يبقى أحد مد لهم دواة أو برى لهم قلمًا فما فوق ذلك إلا حضر، فيجمعون في تابوت من نار، فيلقون في جهنم.
وعلى الجملة، فالناس كلهم إلا من عصم الله نسوا الله فنسيهم، وأعرضوا عن التزود للآخرة، وأقبلوا على طلب أمرين: الجاه والمال، فإن كان هو في طلب جاه ورياسة، فليتذكر ما ورد به الخبر: أن الأمراء والرؤساء يحشرون يوم القيامة في صورة الذر تحت أقدام الناس يطؤهم بأقدامهم، وليقرأ ما قال تعالى في كل متكبر جبار.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يكتب الرجل جبارًا وما يملك إلا أهل بيته». أي: إذا طلب الرياسة بينهم، وتكبر عليهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأكثر فسادًا من حب الشرف في دين الرجل المسلم».
وإن كان في طلب المال وجمعه فليتأمل قول عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين، الغنى مسرة في الدنيا، مضرة في الآخرة، بحق أقول لكم: لا يدخل الجنة الأغنياء ملكوت السماء.
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «يحشر الأغنياء يوم القيامة أربع فرق: رجل جمع مالاً من حرام، وأنفقه في حرام، فيقال: أذهبوا به إلى النار، ورجل جمع مالاً من حرام، وأنفقه في حلال فيقال: أذهبوا به إلى النار، ورجل جمع مالاً من حلال، وأنفقه في حرام، فيقال: اذهبوا به إلى النار، ورجل جمع مالاً من حلال، وأنفقه في حلال، فيقال: قفوا هذا، واسألوه؛ لعله ضيع بسبب غناه فيما فرضنا عليه، أو قصر في الصلاة أو في وضوئها، أو ركوعها، أو سجودها، أو خشوعها، أو ضيع شيئًا من فروض الزكاة والحج.
فيقول: لعلك باهيت، واختلت في شيء من ثيابك؟
فيقول: يا رب! ما باهيت ولا اختلت في ثيابي.
فيقول: لعلك فرطت فيما أمرناك به من صلة الرحم، وحق الجيران والمساكين، وقصرت في التقديم والتأخير، والتفصيل والتعديل؟
ويحيط هؤلاء به فيقولون: ربنا أغنيته بين أظهرنا، وأحوجتنا إليه، فقصر في حقنا»
.
فَإِنْ يَكَنِ الرَّحْمَنُ أَعْطَاكَ ثَرْوَةً ** فَأَصْبَحْتَ ذَا يُسْرٍ وَقَدْ كُنْتَ ذَا عُسْرِ

فَتَابِعْ لَهُ حَمْدًا وَشُكْرًا مَعَ الثَّنَا ** يَزِدْكَ وَتَأْمَنْ يَا أُخَيَّ مِنَ الْفَقْرِ

وَأَخْرِجْ لِحَقِّ اللهِ مِنْهَا مُبَادِرًا ** لِمَنْ كَانَ ذَا فَقْرٍ قَرِيبٍ وَذِي عُسْرِ

آخر:
ذِهَابُ الْمَالِ فِي حَمْدٍ وَأَجْرٍ ** ذَهَابٌ لا يُقَالُ لَهُ ذَهَابُ

فإن ظهر تقصر ذهب به إلى النار، وإلا قيل له: قف! هات الآن شكر كل لقمة، وكل شربة، وكل أكلة، وكل لذة؛ فلا يزال يسأل.
فهذا حال الأغنياء الصالحين المصلحين القائمين بحقوق الله تعالى، أن يطول وقوفهم في العرصات، فكيف حال المفرطين المنهمكين في الحرام والشبهات، المتكاثرين به، المتنعمين بشهواتهم، الذين قيل فيهم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [102 سورة التكاثر، الآية: 1].
فهذه المطالب الفاسدة هي التي استولت على قلوب الخلق، فسخرتها للشيطان، وجعلتها ضحكة له، فعليه وعلى كل مستمر في عداوة نفسه أن يتعلم علاج هذا المرض الذي حل بالقلوب.
فعلاج مرض القلوب أهم من علاج مرض الأبدان، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم. وله دواءان:
أحدهما: ملازمة ذكر الموت وطول التأمل فيه، مع الاعتبار بخاتمة الملوك وأرباب الدنيا، كيف أنهم جمعوا كثيرا، وبنوا قصورًا، وفرحوا بالدنيا بطرًا أو غرورًا فصارت قصورهم قبورًا، وأصبح جمعهم هباء منثورًا: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} [23 سورة الأحزاب، الآية: 38]، {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [32 سورة السجدة، الآية: 26].
فقصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة، تسهد بلسان حالها على غرور عمالها، فانظر الآن في جمعيهم: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [19 سورة مريم، الآية: 98].
إِنَّ الَّذِينَ بَنُو فَطَالَ بُنَاؤُهُمْ ** وَاسْتَمْتَعُوا بِالْمَالِ وَالأَوْلادِ

جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحَل دِيَارِهِمْ ** فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِيعَاد

قال بعضهم:
حَتَّى مَتَى وَإِلَى مَتَى نَتَوَانَا ** وَأَظُنُّ هَذَا كُلَّهُ نِسْيَانَا

وَالْمَوْتُ يَطْلُبُنَا حَثِيثًا مُسْرِعًا ** إِنْ لَمْ يَزُرْنَا بُكْرَةً مَسَّانَا

إِنَّا لَنُوعَظُ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ** وَكَأَنَّمَا يُعْنِي بِذَاكَ سِوَانَا

غَلَبَ الْيَقِينُ عَلَى التَّشَكُكِ فِي الرَّدَى ** حَتَّى كَانَا قَدْ نَرَاهُ عِيَانَا

يَا مَنْ يَصِيرُ غَدًا إِلَى دَارِ الْبَلَى ** وَيُفَارَقُ الإِخْوَانَ وَالْخِلانَا

إِنَّ الأَمَاكِنَ فِي الْمَعَادِ عَزِيزَةٌ ** فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ إِنْ عَقَلْتَ مَكَانَا

الدواء الثاني: تدبر كتاب الله، ففيه شفاء ورحمة للمؤمنين.
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملازمة هذين الواعظين بقوله: «فقد تركت فيكم واعظين: صامتًا وناطقًا؛ الصامت الموت، والناطق القرآن».
وقد أصبح أكثر الناس أمواتًا عن كتاب الله تعالى، وأن كانوا أحياء في معايشهم، وبكمًا عن كتاب الله، وإن كانوا يتلونه بألسنتهم؛ وصمًا عن سماعه، وإن كانوا يسمعونه بآذانهم؛ وعميًا عن عجائبه، وإن كانوا ينظرون إليه في صحائفهم؛ وأميين في أسراره، ومعانيه، وإن كانوا يشرحونه في تفاسيرهم.
فاحذر أن تكون منهم، وتدبر أمرك، من لم يتدبر كيف بقوم ويحشر؟
وانظر في أمرك وأمر من لم ينظر في نفسه، كيف خاب عند الموت وخسر؟ واتعظ بآية واحدة من كتاب الله تعالى، ففيها مقنع وبلاغ لكل ذي بصيرة؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} [63 سورة المنافقين، الآية: 9 إلى آخرها]. وإياك ثم إياك، أن تشتغل بجمع المال فإن فرحك به ينسيك عن ذكر الآخرة وينزع حلاوة الإيمان من قلبك.
أَتَطمَعُ أَنْ تُخَلَدَ لا أَبَالَكْ ** أَمِنْتَ مِنَ الْمَنِيَّةِ أَنْ تَنَالَكْ

فَكُنْ مُتَوَقِّعًا لِهُجُومِ مَوْتٍ ** يُشَتَّتُ بَعْدَ جَمْعِهُمْ عِيَالَكْ

كَأَنِّي بِالتُّرَابِ عَلَيْكَ يُحْثَى ** وَبِالْبَاكِينَ يَقْتَسَمُونَ مَالَكْ

آخر:
أَلا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا ** فَاخْبِرْهُ بِمَا فَعَلَ الْمَشِيبُ

قال عيسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه: لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا فإن بريق أموالهم يذهب بحلاوة إيمانكم وهذا ثمرته بمجرد النظر فكيف عاقبة الجمع والطغيان والبطر انتهت الوصية.
اذْكُرِي الْمَوْتَ لَدَى النَّوْمِ وَلا ** تَغْفُلِي عَنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الْهُبُوبْ

وَاذْكُرِي الْوِحْشَةَ فِي الْقَبْرِ فَلا ** مُؤنِسٌ فِيهَا سِوَى تَقْوَى الْقُلُوبْ

قَدِّمِي الْخَيْرَ احْتِسَابًا فَكَفَى ** بَعْضُ مَا قَدَّمْتِ مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبْ

رَاعَنِي فَقْدُ شَبَابِي وَأَنَا ** لا أَرَاعُ الْيَوْمَ مِنْ فُقْدِ الْمَشِيبْ

جَنَّ جَنْبَايَ إِلَى بُرْدِ الثَّرَى ** حَيْثُ أُنْسَى مِنْ عَدُوٍّ وَصَدِيقْ

آخر:
وَكَمْ ذِي مَعَاصِي نَالَ مِنْهُنَّ لَذَّةً ** وَمَاتَ وَخَلاهَا وَذَاقَ الدَّوَاهِيَا

تَصَرَّمُ لَذَّاتُ الْمَعَاصِي وَتَنْقَضِي ** وَتَبْقَى تِبَاعَات الْمَعَاصِي كَمَا هِيَا

فَوَاسَأتَا وَالله رَاءٍ وَسَامِعٌ ** لِعَبْدٍ بِعَيْنِ اللهِ يَغِشى الْمَعَاصِيَا

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
ولما نزل الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار. فأخرج فقال: اللهم إني احتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها؛ ومن أخلاقهم قلة الضحك وعدم الفرح بشيء من الدنيا بل كانوا ينقبضون بكل شيء حصل لهم من ملابسهم ومراكبها ومناكحها ومناصبها عكس ما عليه أبناء الدنيا العاشقون لها كل ذلك خوفًا أن يكونوا ممن عجل لهم الطيبات في الحياة الدنيا وكيف يفرح بشيء سوى فضل الله ورحمته من هو في السجن محبوس عن لقاء الله عز وجل.
لَعَمْرِي مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدُ قَصْرٍ ** فَسِيحٍ مُنْيَةٍ لِلسَّاكِنِينَا

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ دِيِنٍ ** يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ كَافِرِينَا

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ووالذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل». وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: عجبت من ضاحك ومن ورائه النار ومن مسرور ومن ورائه الموت.
وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: أتى عبد الرحمن بن عوف بعشائه وهو صائم فقرأ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} فلم يزل يبكي حتى رفع طعامه وما تعشى وإنه لصائم خرجه الجوزجاني. وقال الحسن: ما ظنك بأقوام قاموا لله على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشًا واحترقت أجوافهم جوعًا صرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن جرها واشتد نضجها.
وَمَا عِظْم الْمُصَابِ فِرَاقُ أَهْلِ ** وَلا وَلَدٍ وَلا جَارٍ شَفِيقِ

وَلا مَوْتِ الْغَرِيبِ بَعِيدُ دَارٍ ** عَنِ الأَوْطَانِ فِي الْبَلَدِ السَّحِيقِ

وَلَكِنَّ الْمُصِيبَةَ فَقْدُ دِينٍ ** يَنَالُ بِفَقْدِهِ سُكْنَى الْحَرِيق

وروي أن الحسن أمسى صائمًا فأتي بعشاه فعرضت له هذه الآية: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} فقلصت يده وقال: ارفعوه فأصبح صائمًا.
فلما أمسى أتي بإفطاره عرضت له الآية. فقال: ارفعوه. فقلنا: يا أبا سعيد تهلك وتضعف فأصبح اليوم الثالث صائمًا فذهب ابنه إلى يحيى البكاء وثابت البناني ويزيد الضبي. فقال: أدركوا أبي فإنه هالك فلم يزالوا له حتى سقوه شربة ماء من سويق. وكان كثير من السلف مثل هؤلاء ينغص عليهم ذكر طعام أهل النار وشرابهم طعام الدنيا فيمتنعوا من تناوله أحيانًا لذلك.
وقال ابن أبي ذئب: حدثني من شَهِدَ عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة وقرأ عنده رجل: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} فبكى عمر حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه فقام من مجلسه ودخل بيته وتفرق الناس.
وقال سرار أبو عبد الله: عاتبت عطاء السلمي في كثرة بكائه فقال لي: يا سرار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله عز وجل وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يداها على عنقها وتسحب إلى النار أن لا تبكي ولا تصيح وكيف لنفس تعذب أن لا تبكي.
وقال العلاء بن زياد كان إخوان مطرف عنده فخاضوا في ذكر الجنة والنار فقال مطرف: لا أدري ما تقولون حال ذكر النار بيني وبين الجنة.
وقال عبد الله بن أبي الهذيل: لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة وعوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه وقيل له: لو كانت النار خلقت لك ما زادت على هذا، فقال: وهل خلقته إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن والإنس.
أما تقرأ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ}، أما تقرأ: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ}، فقرأ حتى بلغ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} وجعل يجول في الدار ويبكي حتى غشي عليه.
يَا رَبِّ جُدْ لِي إِذَا مَا ضَمَّنِي جَدَثِي ** بِرَحْمَةٍ مِنْكَ تُنْجِيني مِنَ النَّار

أَحْسِنْ جِوَارِي إِذَا أَمْسَيْتُ جَارَكَ فِي ** لَحْدٍ فَإِنَّكَ قَدْ أَوْصَيْتَ بِالْجَار

اللهم ثبت وقو محبتك في قلوبنا واشرح صدورنا ونورها بنور الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وألهمنا ذكرك وشكرك واجعلنا ممن يفوز بالنظر إلى وجهك في جنات النعيم يا حليم ويا كريم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.